إلي حبيبتي 2

ها أنا ثانية، وحدي، أمامكِ، أتعري من كل الفضائل، فـ أبقي أنا أنا لا شيء أخر.
أنا في العراء.. وجه
أنا في العراء، محض وجه عابر، لا شيء ها هنا، ولا أحد، لا أترك أثرا حيث أكون، مجرد طيف مجرد يهيم في صحراوات لم تألفها روحه أو تتصالح معها، ولن تفعل ذات يوم، والريح لا تعرف فن النحت فـ تُصير من وجهه منحوتة أبدية، ربما عبدها الماروون ذات يوم أو قدسوها، والجبال لا تتنازل لغريب مثلي عن بعض منها أحفر عليه وجهي أو اسمي الذي لم أعرفه إلي الآن، ولأنني لا أستطيع التوقف عن البحث عن المجد، أقف في منتصف ما هو مد البصر عن يٌمنتي وعن يساري، أجثو علي رُكبتيّ، أضع وجهي علي التراب، لأترك أثرا ربما يبقي للأبد، وغالبا سيفني بعد لُحيظات من رحيلي، أدنو من اللا شيء، أتوقف لأصيغ السمع، أبحث عن الآخرين من حولي، يُفزعني فجأة رحيلهم، كأنهم للتو رحلوا، وهم راحلون منذ الميلاد.
الأحبة: هاجروا، أخذوا المكان وهاجروا، أخذوا الزمان وهاجروا، أخذوا روائحهم عن الفخار، والكلأ الشحيح, وهاجروا، أخذوا الكلام.
لي في الوجود واحد وعشرون عامًا، تستحوذ الوحدة علي أكثرهم، وولدت وحيدا، أسير وحيدا، أعيش وحيدا، وأموت ...
أتسائل متى رحلوا؟! أتوقف، أعيد السؤال بصيغة أكثر ملائمة، متى جاؤوا؟! كيف دخلوا إليّ علي حين غِرة، كيف استطاعوا أن يكسروا ثمانية عشرة عامًا من الوحدة! كيف تخطوا الجدارات المتتالية، الضاربة في الأرض، البالغة العلو، كـ يـ ـف !، وأنا! أين كنت؟! أخذتني النشوة بالإثم، فـ سمحت لهم تباعا بالدخول!، هل جُننت أم أصابني مَسُ ما، أعرف كحقيقة لا تقبل التأويل أن لا مكان لهم هنا، أن من يمر من هنا عابرون، لا يستطيبون البقاء، وأنني لا أُغري بالبقاء، كيف أتسالُ عن رحيلهم وأنا أدري به منهم، قبل أن يأتوا!
وهاجر القلب القتيل معهم.
أيتسعُ الصدى, هذا الصدى
نعم، القلب القتيل، هل كان قتيلا مذ جاؤوا، أم أنهم أصبغوا عليه نعمتهم فـ أقصوه عن الحياة - وهو لهم شاكر .
رحل! ألهذا الحد من داخلي موحش! ألهذا الحد يمتلأ بالفراغ!
فأين أنت يا حبيبتي
لكي نسير
معا......،
فلا نعود،
لانصل.
وأنتِ؟ هذا هو أنتِ، لا أدري عزيزتي إن كنتِ حقيقة لا ريب فيها ستأتيني ذات يوم علي غير تدبير، أم أنكِ محضُ وهم أخر تتوق إليه روحي، لتقتطع من نفسها، لتعطي لروحك، التي ترد إليها الهبة بقطعة من روحك، فـ تكتمل روحي بتكاملها مع تلك الروح لكي، فـ تسمو، فـ أسمو
أَما أَنا - وقد امتلأتُ بكُلِّ أَسباب الرحيل - فلستُ لي. أَنا لَستُ لي أَنا لَستُ لي
-----
الاقتباسات
علي الترتيب
أمل دنقل - محمود درويش - درويش - دنقل - درويش

0 comments: